Feeds:
المقالات
التعليقات

Posts Tagged ‘سيجارة’

رفع نظره إليها .. وابتسم ابتسامة عابرة ، ترحيباً بتطفلها ربما، وحين عاد لورقته فوق المكتبة العالية، رفعت هي وجهه بأطراف أصابعها بإهمال (تصنعه كما تصنع أشياء أخرى) واقتربت .. خطفت بفمها سيجارته من بين شفتيه، انسحبت (الأمرالذي تجيده) تركته يراجع هذا وحده، وانصرفت (وهي تظنها أكثر حضوراً حتى في غيابها) تملأ صالونه الضيق بدخانها/دخانه وهي تتتبّع العناوين في المكتبة بإصبعها تبحث عن ديوان لمريد البرغوثي، الكاتب الذي لا تعرف ماذا فعل في حياته بعد ان تربع إلهاً لبعض الوقت حين رأى رام الله.

And Cigarette, Berlin - By Chaiara Cavalieri

245: أدخن سيجارتي السابعة الآن عند السطر الخامس، رجاءً دوكتور أحمد احترم رئتي المثقوبة عندما تقرأ، حاول بشكل جدّي أكثر أن تفكر في كل الكذب الذي أستهلكه عند إشعال كل سيجارة، فكّر بجهد مضاعف في أنفاسي المتقطّعة.. وفي نوبات الربو التي لا تهدأ، رافق عبورنا إلى المدينة العديد من المشاكل ليس أصعبها أوراقنا الثبوتية، ولم يكن أبسطها بالتأكيد تجربة التعرّض للإهانة المجانية، ليس في الأمر أنني كنت سأتقبل الإهانة المدفوعة مقدماً.. إنها مجرد تعابير فارغة، إذا كنت تملك ما يكفي من الاحترام لمال مؤسستك الذي أنفقته لهذه الرحلة ، فعليك – وأنا جادة- أن تقرأ جيداً كل حرف، وتخبرني أن الحرية الصحفية التي تتشدّق بها كمحرر أمر يتجاوز اللغة التي تقرأ بها مقالات صحافييك المغمورين.

لم يقصد التسلل ، كل ما في الأمر أنه لم يشأ إفساد لحظتها. انتقت مكان جلوسها بعناية،  أمامها كل شيء إلّاه، رفعت يدها لمشبك شعرها وأطلقت خصلاته، تبدو أليفة جداً من هناك.. امرأة حزينة أخرى تغري عدسة مصور (لا شيء أكثر) ترتدي شالاً أخضر يعتقل تحت قماشه المطرز عنقها الطويل، تنظر من أعلى التل لأحلامها المؤجلة، وأمانيها المخبأة المرسومة دوماً بالأبيض والأسود، تخجل من البكاء هرباً من إعلان ذلك الضريح الذي تحمله في داخلها، كان ارتفاع كتفيها وانخفاضها يخبران عن الأنفاس الطويلة التي تكاد تستجديها من الجو العابق بالغياب كما تسميه هي، تملأ رئتيها بالهواء وتغمض عينيها.. ثم ترفع رأسها وتطرده من بين شفتيها، كانت تقول أنها تحرق بزفيرها السماء !

فاجأه شعرها الطويل جداً، يتذكر الآن أنه لم يشاهدها تفرده من قبل، يتحدّث لنفسه قليلاً كشرقي بسيط ورث ذلك سلالته الشمالية! يرى حدوداً دولية بين الجنسين ويحاول إخفاءها، تمر به الفكرة ببساطة تشبهه، فلا يفهم لم تبدو رجلاً دائماً إذا كانت تستطيع أن توغل في الأنوثة إلى هذا الحد. بعينيه.. كان الأمر يسير جميلاً، لكن كعادتها في إفساد كل شيء.. بدأت في إشعال سيجارة .

اقترب يعلن وجوده ، تنظر إليه ببرود وهو يهم بالجلوس بجانبها، تستلقي هي على الحجارة الملساء وتبدأ بنفث الدخان.. وتنظر إليه (للدخان)، وكأن أحداً لم يقطع خلوتها، استفزه برودها وتمسّك بإرادته في فتح حديث ما يبعد وحشة الليل.. حديثِ يستطيع أن يعلم أنه فاشل قبل أن يبدأ. 

كارلو :  لو كنت سيجارة..

بيسان : كنت احترقت.

كارلو : لما اشتعلت، سأكتفي بالمرور كل ثانيتين بين شفتيك، أنا قنوع نوعاً ما..

بيسان : هه.. العشاق كالسجائر لا يملكون أمر أنفسهم، نشعلهم.. لنستمتع (!)

كارلو :  كنتِ دخّنتني على الأقل، هناك ما يستحق الموت لأجله.

بيسان ضاحكة : لتركتك تأكل بعضك وأنا أنظر إليك.. أدخن سيجارة أخرى!

كارلو :  وحشيتك لا تخفي عني هشاشتك.

بيسان : لا شيء يخفي احتراقك.

كارلو :  (يريد الهروب، الأمر الذي لا يجيده) لا شيء يخفي حزنك.

بيسان (تختم الحديث ، وتستلم.. معلنة انتصارها!) : أنا حتى لا أحاول إخفاءه، “بتعرف”، يقولون أن الأكثر حزناً هم الأكثر جمالاً وإغراءً، وصدقاً .. إذا كنت أنا الأكثر حزناً، فأعِد النظر جدياً في تصديق ما يقولون.

 

ضحكا قليلاً.. وصمتا أكثر، المكان المفتت حيث كانا لا يملك أبواباً يوصدها على أبنائه، اللصوص يحرسون غنائمهم.. والقتلة يحرسون أرواح ضحاياهم كي لا تصعد دون علمهم، يطفوان، لكن على مسطحين مختلفين “لا يلتقيان”، يساراً كان الوطن.. في نهاية الممر، لكن الممر لا ينتهي، وهي لا تُقلع.

Read Full Post »